عندما كنت صغيرة، كان أبي يقرأ لنا قصص شارلوك هولمز قبل الخلود إلى النوم. وفي الوقت الذي كان فيه أخي يغتنم الفرصة ليغفو حالًا في زاويته على السرير،… كان بقيتنا يستمع إلى أبي باهتمام. وإني أتذكر الأريكة الجلدية الكبيرة التي كان يجلس عليها أبي ممسكًا بالكتاب من أمامه بذراع واحدة بينما كانت ألسنة اللهب المتراقصة والمنبعثة من الموقد تنعكس على نظارته ذات الإطار الأسود. وأتذكر أيضًا الارتفاع والانخفاض في صوته كلما تعاظم التشويق متجاوزًا نقطة الانهيار. وأخيرًا يأتي الحل المنطقي بعد طول انتظار، فأهز برأسي –تمامًا كالدكتور واتسون-وأفكر” طبعًا، الأمر برمته وما يقوله الآن هو أمر في غاية البساطة”. وأذكر كذلك رائحة الغليون الذي كان أبي يدخنه بين الحين والآخر، حيث كان مزيجًا من النوع الترابي ورائحة الفواكه، وكانت رائحته تتسرب إلى ثنايا الأريكة الجلدية. وبطبيعة الحال، كان غليونه دائمًا منحنيًا قليلاً تمامًا كغليون هولمز. ومما أتذكره أيضًا الطريقة التي كان أبي يغلق بها الكتاب بعد الانتهاء من القراءة، حيث كانت صفحاته السميكة تلتصق ببعضها البعض بين غلافيه القرمزيين حين يقول أبي:” يكفي هذا لهذه الليلة”. وبغض النظر عن حجم توسلنا له والحزن اذي يرتسم على وجوهنا، كنا في نهاية المطاف نستسلم ونصعد إلى أسرتنا في الطابق العلوي. .