الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على المبعوث رحمة للعالمين محمد صلي الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: يعتبر الوقف مؤسسة ذات نفع عام، عرفها المسلمون منذ بداية ظهور الدولة الإسلامية، ويعود الفضل في وجودها إلى تعاليم الإسلام وأحكام شريعته الغراء. وللوقف دور فعّال في عمليّة التطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي، في مختلف العصور الإسلامية، وهو يتضمن جوانب تعبدّيّة، وفيه نواحٍ تشريعية وأحكام فقهية، ويتضمن أيضاً جوانب تربوية، كما يوجد فيه جوانب اقتصادية، من حيث طرق الاستثمار لأملاك الوقف زراعية أو صناعية أو تجارية وقد ساهم الوقف في هذه الجوانب أكثر من مساهمة بيت المال الذي كان مخصصاً للإنفاق العام. ويرجع تطور نظام الوقف في الإسلام إلى اجتهادات الفقهاء أثناء شرحهم لأحكام الوقف، وبذلك جاءت أحكام الوقف في أغلبها اجتهادية كون أحكامه أصلاً لم تثبت في القرآن الكريم وإنما ثبتت في السنة النبوية الشريفة بشكل إجمالي، ومع تطور الوقف أصبحت تلك الاجتهادات والأحكام التنظيمية بمنزلة القانون الذي يحكم علاقات الوقف مع غيره من المؤسسات والجهات والأفراد والجماعات، وقد ظهر لنا من خلال هذا البحث أنّ معظم البلاد العربية ومنها المملكة الأردنية الهاشمية قد وضعت مجموعة من الأحكام القانونية، والإدارية، والقضائية لتنظيم أعمال وشؤون الوقف في تعاملاتها، إلا أنَّ معظم النصوص القانونية جاءت متشابهة، بغض النظر عن ظروف كل بلد، كما أننا لم نجد نصوصاً قانونية تسعفنا في معرفة الأحكام المتعلّقة بالكثير من مسائل الوقف، مثل الوقف الذُري ممّا خلق قصوراً تشريعياً يتعين تداركه. من هنا جاءت هذه الدراسة، لمعالجة جوانب النقص المتعلقة في الجانب القانوني للوقف، وقد بذل الباحث جهداً بالغاً لتخرج على النحو الذي انتهت إليه ولعل طبيعة عمله كموظف في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية قد ساهمت بشكل كبير في الكشف عن مواطن النقص التي رافقت التنظيم القانوني للوقف والغموض الذي شابه. آملاً أن تغطي هذه الدراسة النقص الموجود في المكتبة القانونية والإسلامية وأن تثري المكتبة الأردنية بموضوع على جانب كبير من الأهمية.