تعد قضية التشابه في القرآن الكريم من القضايا التي أثارت كثيرا الجدل في القديم والحديث ؛ حيث اعتمد عليها المغرضون والطاعنون في القرآن الكريم لإثارة الشبهات والشكوك لدى العامة وذوي الجهالة بفنون الفصاحة والبيان. ولكن من حكمة الله تعالى أن يجعل هذا التشابه في آيات كتابه من أقوى الأسباب الداعية للوقوف على إعجازه وعظيم بيانه ؛ إذ لا يطعن طاعن في كتاب الله تعالى – بجهل أو علم – إلا وينبري أهل العلم المختصون بالنظر في كتاب الله تعالى والوقوف على أسرار بيانه وفصاحته لدفع شبه هؤلاء المساكين الذين ترتد سهامهم في نحورهم أولئك الذين( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ ) [التوبة].
فكل شبهة تُوَجّه إلى الكتاب تسفر عن وجوه من حسن البيان منتقبة، وآيات من الفصاحة مستترة ، لولا طعن الطاعنين وكيد الحاسدين لما امتدت الأيدي لكشف نقابها وإزاحة سترها .
وهذا السفر العظيم قد جلى كثيرًا من وجوه الحسن في آيات الكتاب المتشابهات دحض به صاحبه ما أتى به أهل الزيغ من الشبهات، وما وقع فيه أهل العلم من الزلات فكتاب ملاك التأويل من أجود وأطول المصنفات وأروعها في متشابه القرآن؛ حيث يمتاز صاحبه بطول النفس وغزارة العلم، وقوة الإقناع، وجمال الأسلوب، وذلك في الأعم الأغلب من كتابه .
فضلا عن كونه لعالم سُنّي صحيح العقيدة واسع العلم، قوي الشكيمة في الدفاع عن الدين وردّ شبهات الزائغين والملحدين.
وقد صنف كتابه لهذا القصد خصيصًا فقال في مقدمته: «وإن مما حرك إلى هذا الغرض وألحقه عند من تحلى ولوعًا باعتباره والتدبر لعجائبه الباهرة وأسراره بمثل حالي على استحكام جذبي وإمحالي بالواجب المفترض، أنه باب لم يقرعه ممن تقدم وسلف ومن حذا حذوهم ممن أتى بعدهم وخلف، أحد فيما علمته على توالي الأعصار والمدد وترادف أيام الأبد، مع عظيم موقعه وجليل ،منزعه ومكانته في الدين وفته أعضاد ذوي الشك والارتياب من الطاعنين والملحدين هذا، وقد قمت بقراءة هذا الكتاب وضبطه والتعليق على ما بدا لي منه من مسائله ومشاكله ضمن ما عزمنا عليه من إخراج موسوعة شاملة في أهم الكتب المصنفة في هذا الفنّ – أعني علم متشابه القرآن – ولما كان هذا الكتاب من أعظمها شأنا وأعلاها قدرًا وشأوا كان لا بد من إدراجه ضمن هذه الموسوعة المباركة .