تعتبر هذه الأطروحة التي يقدمها يوسف سنغاري من أهم الدراسات التي تناولت فكر فضل الرحمن فحاولت أن تتقصى إضافاته وطرافته. وهي دراسة تندرج ضمن مسار فكري نشط يرنو إلى تجديد
قراءة التراث ومراجعة ما علق به من مسلمات لمساءلتها وخلخلة الواهن منها.. ولقد حاول يوسف سنغاري أن يقلب أهم القضايا الكبرى التي شغلت فضل الرحمن وكانت موجهة لتفكيره عبر مؤلفاته
المتعددة ، فأبرز النظرة التاريخانية التي رافقت مسيرته الفكرية. ولعل قيمة هذه الدراسة ، وهي مدخل إلى فكر فضل الرحمن ، تكمن في أنها لفتت النظر إلى أن هذا المفكر
الباكستاني قد تمكن ، بجرأة طروحاته ودقة منهجه وسعة اطلاعه على ما كتبه المسلمون والمستشرقون حول الإسلام ، من الانخراط في نهج قراءة جديدة للتراث من غاياتها أن تخلصه مما
علق به من رؤى وأحكام ومسلمات ، هي في الغالب مسقطة عليه بفعل إكراهات السياسة والتاريخ. تتمحور أطروحة يوسف سنغاري حول أصلين من أصول التشريع في الإسلام ، وهما القرآن
والسنة في فكر فضل الرحمن. فهما مرجع التشريعات الإسلامية ما كان منها وكذلك ما كان استخلاصه لا يكون إلا بتأويل. ولئن كان فضل الرحمن ، كما يقدمه صاحب الدراسة
، هذين الأصلين حق قدرهما فإنه يلح مع ذلك على ضرورة استلهام البعد التاريخاني في أحكامهما ، فإنعام النظر في حكم تحريم الخمرة أو في حكم إباحة تعدد الزوجات
يجعلنا نستخلص كما توضح ذلك الدراسة القيمة التي يوليها القرآن للظروف الاجتماعية وحتى النفسية للمجتمع العربي في ذلك الوقت ؛ وهو ما يعني بحسب الدراسة ان فضل الرحمن يقر
بأن بعض الأحكام القرآنية قد تكون مؤقتة… لكن الطريف في فكر فضل الرحمن ، كما يقدمه يوسف سنغاري ، هو موقفه من السنة ، حيث تلاحظ الدراسة أن
الكثير مما علق بالسنة يحتاج إلى مراجعة تتوسل بنظرة تاريخانية. وعلى أساس تلك النظرة يمكن التمييز بين ” السنة المكتوبة ” و ” السنة المعيشة ” ، فإن الكثير من
الأحاديث المنسوبة إلى الرسول متأثرة بمراحل تدوينها والرؤى والمواقف السياسية التي قد تكون وجهتها.. وعلى هذا الأساس تستصفي هذه الأطروحة مفهوم السنة من منظور فضل الرحمن فتبرز قيمة فكره وراهنيته
، فكأن من أهداف هذه الأطروحة تاكيد الحاجة إلى قراءة لتراثنا تنخرط في أفق تجديده استئناسا بالنظرة التاريخانية لذلك التراث واهتداء بمنجزات المناهج والمفاهيم الحديثة كالتأوبلية وغيرها.