هذه الرّوايةُ تُقرَأ – أو لنقل – يجب أن تحدُث لك مرّة واحدة، شانها شأن الطّفولة وكلّ الوقائع المحكومة بالّلاعودة، كيف لا والرّاوي يتهيّؤ أمامنا للموت أو هو يستعجل قدومه عن طريق إبتداع القصص وروايتها على نفسه، مُتحلّلاً تدريجياً على إيقاع تدهور حالة شخصيّاته، لاغياً نفسه والقارئ معاً. رغم ذلك … يسود على جوّ القراءة نوع من التّآمر مع الرّاوي والإنخراط في لعبته الأخيرة، سِرّه في ذلك شدّك إلى النّهاية عن طريق إستفزازك بل وإزعاجك بإمتداحه للموت وهو سائر نحوها، كأنّه يلوم البشر على الفكرة السيّئة التي يحملونها عنه، هل هي إذاً ببساطة دعوة لحبّ الموت؟… لا أعتقد أنّ بيكيت قد يكفيه مثل هذا المطبّ لكتابة رواية تراوح بين المرارة والعمق والشعريّة والفكاهة السّوداء المُضحكة (في مناسبات كثيرة). لا ننسى أوّلاً أنّنا إزاء الرّواية الثّانية ضمن ثلاثيّة غير مُتّصلة في أحداثها لكنّها مجتمعَةً تُشكّل مأزق الإنسان الذي تحالف جسده مع الوجود ضدّه فاستحال قلقاً مُجرّداً، الإنسان الذي – بسبب وعيه بمرض الحياة – أصبح يجد سلوى في إنتحال الحقيقة. كان بيكيت في روايته الاولى قد صاغ نصّه على نحو جعل من الإنسان، أو هو جعلنا نشهد كيف أنّ إنساناً قد تحوّل إلى وضع، إلى تشبيه صرف، إلى مرحلة، وها هو في هذه الرّواية غير بعيد عن السّياق الأوّل يضرب لنا مثلاً آخر في العذاب الوجودي، ويطرح سؤالاً اكثر إحراجاً وهو يضيّق الخناق على إنسانه الأوّل مولوي. ولد صامويل باركلي بيكيت في 13 أبريل 1906 بدبلن في أيرلندا، في عام 1923 التحق بيكيت بكلية ترينيتي بدبلن وتخصص في الآداب الفرنسية والإيطالية وحصل على الليسانس فيهما عام 1927. في عام 1928 توجه بيكيت إلى باريس وعمل أستاذاً للغة الإنجليزية بإحدى المدارس هناك، وفي هذه الأثناء تعرَّف إلى جيمس جويس (1882 – 1941)، في عام 1935 كتب روايته الأولى (مورفي)، في عام 1947 كتب بيكيت مسرحيته (في انتظار جودو). عام 1969 حصل بيكيت على جائزة نوبل للأدب، ولما سمعت زوجته بالخبر قالت: إنها كارثة، واختفى بيكيت تماماً ولم يذهب لحفل تسليم الجائزة، في 22 ديسمبر 1989 مات بيكيت بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي. شأنه شأن دانتي، منتقلاً من دائرة إلى دائرة توقاً إلى جحيمه أو جنّته، هل ركّز صامويل بيكيت فاعليه في روايات ثلاثيّته (مولوي، مالون يموت، الّلامُسمّى)، كُلاً في دائرة مختلفة تماماً، ربّما ليبلّغهم بدورهم العدم الذي ينشدونه؟ من رواية إلى أخرى راحت الدّائرة تضيق أكثر فأكثر. أضيق من مولوي، ها هو مالون إذاً جامداً في غرفة مغلقة، مُمَدّداً لا يكاد يتحرّك في سريره في انتظار موته الموشكة، خطواته الوحيدة يقوم بها عن طريق النّظرات التي تقع على الأغراض المحيطة به، إلّا أنّه يملك قلم رصاص ودفترا: سيكتب، سيكتب وضعه كما سيخطر له، على نحو فاتن ومثير، لكنّه أيضاً سينفي نفسه أخيراً في التّخوم حيث يسكن الخيال: سيبدع. “أن تعيش هو أن تبدع. (…) أن تعيش، أن تجعل غيرك يعيش، داخلي، داخله”. مالون يموت هو العمل الذي من خلال فكاهة عالية وعنف وحسٍّ شعريّ لا متناه، أمكن لصامويل بيكيت أن يعبّر بالشّكل الأوضح عن عمليّة الكتابة وعن تعقيد العلاقة بين الكاتب وبين مُنجَزه وكائناته… – موريس بلانشو (فقرة من كتابه: الكتاب القادم الصّادر عن دار غاليمار سنة 1963).
مالون يموت
2.00 ر.ع.
كتاب مالون يموت للمؤلف صامويل بيكيت
غير متوفر في المخزون
الكود:
9782843091858
المؤلف:
صامويل بيكيت
الناشر:
دار المدى