“كان السباق حدثاً هامّاً بالنسبة لي. كان يبدو يوماً أكثر أهميّة من يوم (١ تموز/ يوليو) تاريخ التحرر من الاستعمار الإيطالي، عيدنا الوطني. وكالعادة، كنت أرغب في الفوز، لكني كنت أبلغ من العمر ثماني سنوات فقط، وكان الجميع يشارك في السباق، حتى الكبار. في العام الماضي، حصلت على المرتبة. . . الثامنة عشر، لكنني هذا العام أريد أن أعبر خط النهاية ضمن الخمسة الأوائل. عندما رأى أبي وأمي حماسي الشديد، وأنا لا زلت طفلة، كانا يحاولان معرفة ما يجول في رأسي: “هل ستتمكّنين من تحقيق الفوز هذه المرة – أيضاً – يا سامية؟ “، كان أبي يوسف يسألني ساخراً، أثناء جلوسه في الفناء على كرسيّ من القش، كان يجذبني إليه، وبيديه الضخمتين يداعب شعري. كنت أستمتع بمداعبته أيضاً، فأمرر أصابعي الصغيرة في شعره الأسود والكثيف، أو أن أخبطه على صدره فوق قميصه المصنوع من الكتان الأبيض. حينئذ كان يمسكني بقوة – نظراً لضخامته – ويرفعني في الهواء بذراع واحدة، ثم يضعني على حضنه. “لم أفز بعد بالسباق يا أبي، لكنني سأفعلها قريباً”. تبدين كالغزال، أتدرين ذلك يا سامية؟ أنت غزالتي الصغيرة المفضّلة”. هكذا كان يجيبني، فأصابُ برعشة في ركبتيّ، ما إن يصلني صوته العميق والأجش وهو يتحول إلى صوت عذب. “أبي أنا سريعة كالغزال، ولكنني لست بغزال. . “. “لنسمع منك. . كيف يمكنك أن تهزمي هؤلاء الشباب الذين يكبرونك سنّاً؟ “. “بأن أعدو أسرع منهم، يا أبي! ربما ليس بعد، ولكن يوماً ما، سوف أصبح أسرع عداءة في مقديشو بأكملها”. كان أبي ينفجر من الضحك عند سماع هذه الكلمات، وتشاركه والدتي الضحك أيضاً، إذا كانت موجودة. ثم يضمني إليه مجدّداً، وقد اعتلته علامات الحزن، قائلاً: “يوماً ما، بالطبع، يا صغيرتي سامية. . يوماً ما. . “. أتدري يا أبي، يمكن التنبؤ ببعض الأشياء. فأنا، ومنذ نعومة أظفاري، أعرف أنني سوف أصبح بطلة ذات يوم “كنت أحاول اقناعه” هنيئاً لك يا صغيرتي سامية. أمّا أنا: فأود أن أعرف شيئاً واحداً، لا غير: متى سوف تنتهي هذه الحرب اللعينة”. ثم ينزلني من حضنه، ويستسلم لنظرة بعيدة وعبوسة. . . لم نكن أنا وعليّ نبدِ أي اهتمام بالحرب، رغم أنّهم كانوا يتبادلون إطلاق النار في الشوارع. لم نكن لنسمح للحرب أن تسلبنا الشيء الوحيد المهم الذي نمتلكه: علاقتنا الودية. بإمكان الحرب أن تسلب المرء بعض الأشياء، ولكن هذا الشيئ بالتحديد ليس بمقدور الحرب أن تمسّه. على سبيل المثال، سلبتني الحرب البحر. أول رائحة شممتها فور ولادتي كانت رائحة البحر التي كانت تتدفق على طول الطريق من الساحل حتى فناء المنزل، رائحة ملح البحر التي لا أزال أحملها فوق شعري وجلدي، والرطوبة التي تتحد بالهواء. ورغم ذلك، قمت بملامسة البحر مرة واحدة فقط. أعلم أنه ماءٌ، وأنك إذا قفزت داخله تبتل، كما لو أنّك ألقيت بنفسك داخل جبّ، ولكنني لا أصدق الأمر حتى الآن ما دمت لم أقم به. في بعض المرات، لمست الرمال، رغم خطورة هذا الشيئ. كنت أنا وعليّ، أثناء مرورنا في تلك الأزقة، نقترب من البحر بعد الظهيرة، فنشاهد اتساعه الهائل، ونحن جالسان على جانب الطريق الرئيسة التي تمتد من الجنوب إلى الشمال، على طول الشاطئ، وكنا نختبئ وراء شاحنة، أو دبابة، كي نتأمل أمواج البحر طويلاً، وهي تتحرك للأمام والخلف، ونلعب مع انعكاس أشعة الشمس، في كل مكان. كانت لدينا رغبة جامحة في الغوص داخل البحر. ممنوع علينا أن نلمس البحر الواسع رغم كونه أمام أعيننا. . مرة واحدة، مرة واحدة وتحت تأثير قوة عجيبة، اقتربنا من المياه ببطء. خطوة صغيرة تلو الأخرى. . كان امتداداً بديعاً هائلاً، مثل فيل، ينام، ويتنفس بعمق. كانت الأمواج الطويلة تصدر صوتاً رائعاً. . اقتربنا وابتلت أيدينا وأقدامنا بالماء. وضعت أصابعي على فمي. . ملح. وأثناء نومي، رأيت الأمواج في المنام. حلمت بأنني فقدت نفسي وسط تلك المساحة الشاسعة تاركةً الأمواج تهدهدني، وتحملني للأعلى وللأسفل، وفقاً لمزاج المياه. سلبتني الحرب البحر. وفي المقابل، ولّدت داخلي الرغبة في العدو، فباتت قوية مثل البحر. الجري هو بحري”. وتحقق حدس سامية. . وأصبحت بطلة في الجري. . وأصبحت أسطورة لآلاف النساء عبر كل دول العالم، وغدت رمزاً في عيون العالم. . ولكنها في الوقت نفسه أصبحت مهددة، من قبل الأصوليين من “جماعة الشباب” كونها بدون حجاب. . وهكذا يروي الكاتب قصة البطلة الصومالية سامية قصة طموحها، والدرب الصعب الذي سلكته رغم ظروف الحرب الصومالية ورغم حالة الرعب التي كانت تعيشها بسبب تهديدها بالقتل. . وكم كانت محبتها للبحر كبيرة. . كبيرة بحجمه إلى درجة أنّه آثر الاحتفاظ بها في نحبه. قصة حقيقية لسامية يوسف عمر، استطاع الكاتب أن يوثّقها بإسلوب أدبي رائع.
لا تقولي إنك خائفة
6.80 ر.ع.
“كان السباق حدثاً هامّاً بالنسبة لي. كان يبدو يوماً أكثر أهميّة من يوم (١ تموز/ يوليو) تاريخ التحرر من الاستعمار الإيطالي، عيدنا الوطني.
متوفر في المخزون
الكود:
9788899687052
المؤلف |
جوزبه كاتوتسيلا |
---|---|
الناشر |
منشورات المتوسط |